في سوق متخصصة بالعملات القديمة... كنز الموعودين
سوق العملات القديمة والنادرة والتذكارية، سوقا واسعة ومتخصصة جدا، تجمع
بين الهواة والتجار وفي علاقة أساسها رغبة اقتناء أي عملة نادرة وتحقيق
ربح مادي من وراء عملية البيع، ولهذه السوق قوانين تسري على الهواة والتجار
والزبائن من دون تجاوز، حتى أن هناك رابطة لهذه الأطراف الثلاثة في مصر
للإطلاع على كل جديد في سوق العملات وتبادلها فضلا عن المعارض الدولية
التي تعرض النادر والنفيس من العملات القديمة.
وتحظى العملات المصرية
القديمة من دون سائر عملات العالم بنصيب أكبر ورواج أوسع في سوق العملات
خصوصا الورقية منها والتي ظهرت العام 1899 مثل الجنيه الإنجليزي والليرة
التركية والفرنك الفرنسي والتي تم إحلالها بأوراق مالية مصرية يصدرها
البنك الأهلي المصري وقت إنشائه العام 1898. ومرت العملة المصرية بمراحل
حتى ظهر أول نموذج للعملة الورقية فئة الجنية المصري ليحل محل العملة
الذهبية. يرجع ظهور الأوراق النقدية المصرية إلى العام 1899 إذ كان
المصريون، وقبل هذا التاريخ يتعاملون بالعملة الإنجليزية «الجنية
الإسترليني» و«الليرة التركية» و«الفرنك الفرنسي» من دون أن يكون هناك
تشريع ثابت يقوم بتنظيم تداول العملات المختلفة والتعامل بها. وفي العام
1898 تم إنشاء البنك الأهلي المصري ليكون له حق إصدار الأوراق المالية بعد
أن منحته الحكومة هذا الحق وقامت وزارة الداخلية - آنذاك - بنشر إعلانات
دورية في عواصم المحافظات المصرية تنص على قبول نقد البنك الأهلي المصري
لسداد الأموال الأميرية وصرف قيمتها بالذهب عند الطلب.
وفي العام
1914، صدر مرسوم يمنح أوراق النقد المصري حق الإبراء الكامل في التعامل من
دون الذهب وإيقاف التعامل به بعدها جعل البعض يتردد في التعامل به وعليه
جاء تغيير نقد العملة ليصبح الجنيه المصري من صناعة ورقية بدلا عن
الذهبية. وفي العام 1930، صدر أول نموذج للورقة النقدية فئة الجنيه مطبوعا
عليها صورة أبي الهول حتى لا يتمكن البعض من تزييفها والقضاء على الخوف
الذي كان ينتاب العامة والآن أصبحت الأوراق النقدية القديمة مجالا يتخذه
البعض للتجارة والكسب المادي، إذ تختلف كل عملة نقدية عن سابقتها من حيث
الثمن والذي يتوقف على مدى قدمها وندرتها حتى أصبح لهذه التجارة روادا من
هواة اقتناء كل ما هو قديم ولا يقدر بثمن وأصبحت لها أسواقا وتجارا
معروفين. إن عالم العملات القديمة والتذكارية والنادرة عالم له أسراره
وهواه ويشهد صفقات واتفاقات بين المتعاملين فيه.
أسعار العملات القديمة
فتحي
رمضان بائع للعملات القديمة بمنطقة وسط القاهرة يتحدث عن أسعار تلك
العملات: «إن العملات القديمة عموما لا تحددها أسعار ثابتة، ولكنها تخضع
للعرض والطلب وندرة العملة أو كثرة المعروض منها وأيضا المفاوضات التي
تجرى بين التاجر والزبون ولكن هناك أسعارا متعارف عليها لبعض العملات مثل
جنيه الملك فاروق، الذي يباع بخمسين جنيها، وجنيه السلطان فؤاد الذي يحمل
صورة الجمل و يباع بخمسمئة جنيه، وجنيه السلطان حسين كامل و الذي يباع
بستمئة جنيه، والعشرة جنيهات الورق التي ترجع لعصر السلطان فؤاد ثمنها
خمسمئة جنيه، والشلن الورق للملك فاروق بمئة جنيه، والعشرة قروش بمئة
جنيه، والخمسون قرشا التي تحمل صورة مجموعة من الجمال بمئتي جنيه، والعشرة
قروش التي تحمل اسم السلطنة المصرية أيام السلطان حسين كامل ثمنها ثلاثون
جنيها، أما المئة جنيه التي صدرت أيام السلطان عبدالحميد ثمنها ثمانية
آلاف جنيه».
عملات تذكارية ونادرة
ويضيف إلى جانب العملات
القديمة التي ذكرنا أسعارها سابقا هناك أيضا نوع آخر من العملات التي
يتتداولها بعض من هواة جمع العملات القديمة وهي العملات التذكارية التي
تصدرها الدول في المناسبات الوطنية المهمة أو للاحتفاء ببعض الشخصيات
البارزة في تاريخ الدول مثل بريزة الملك فاروق، التي تباع باثني عشر جنيها
وبريزة السلطان حسين كامل التي تباع بالثمن نفسه أيضا وجنيه الرئيس جمال
عبدالناصر المصنوع من الفضة ويباع بثمانية عشر جنيها، وجنيه السادات بخمسة
عشر جنيها، وجنيه أم كلثوم بخمسة عشر جنيها، بينما يباع جنيه عبدالحليم
حافظ بأربعين جنيها وإلى جانب هذه العملات هناك عملة نادرة من الصعب العثور
عليها بسهولة في سوق العملات النادرة وهي جنيه «إدريس الفلاح» الذي يباع
بسبعمئة جنيه.
قصة إدريس الفلاح
أما مجدي إبراهيم تاجر العملات
بمنطقة خان الخليلي بالقاهرة يروي قصة «إدريس الفلاح» ويقول: «إنها شخصية
حقيقية وهو واحد من عامة الشعب تقابل مع السلطان فؤاد بالمصادفة وتحدث معه،
فتنبأ إدريس له بأنه سيصبح ملكا للبلاد، فوعده السلطان إذا تحققت نبوءته
أن يضع صورته على الجنيه، وفعلا عندما نصب ملكا للبلاد نفذ السلطان وعده،
وأمر بصك هذه العملة النادرة». ويضيف إلى جانب العملات المصرية كانت هناك
أيضا العملات العربية والأجنبية، ومن هذه العملات ورقة نقدية فئة الخمسة
وعشرين دينارا عراقيا ثمنها ثلاثة جنيهات مصرية والدولار الأميركي الذي صدر
في العام 1992 ثمنه مئة جنيه، وفرنك فرنسي من العام 1907 بخمسين جنيها،
وإلى جانب هذه العملات تباع مجموعة من العملات المعدنية الصغيرة ثمن
الواحدة منها خمسة وعشرين قرشا. هواية جمع العملات وعن طبيعة سوق العملات
النادرة، من حيث العملات الأكثر تداولا ونوعية الزبائن يقول المتخصص محمد
نور حسن بالطبع كل سلعة لها زبون يطلبها ويبحث عنها ولذلك نجد أن لكل
نوعية من العملات سواء المصرية أو العربية أو الأجنبية أو التذكارية،
الزبون الذي يأتي للبحث عنها ويسعى لاقتنائها ولكن عموما تأتي العملات
المصرية في مقدمة العملات التي تحظى بالطلب.
أما بالنسبة لزبون
العملات القديمة والنادرة فهو زبون له طابع خاص جدا، وعلى دراسة بأنواع
العملات وتواريخ إصدارها وندرتها وأسعارها ولذلك غالبا ما تجد زبائنها على
علاقة شخصية بالتاجر، نتيجة لترددهم المستمر عليه لمتابعة سوق العملات
وتطوراتها. وزبائن العملات لا تقتصر أعمارهم على فئة معينة ـ كما يؤكد محمد
نور ـ لكن هواية جمع العملات القديمة تجتذب كل الأعمار وأيضا ليست هناك
جنسية معينة، فإلى جانب المصريين، هناك الأخوة العرب الذين يتميزون بعشقهم
الشديد للعملات النادرة ويبحثون عنها باهتمام شديد وبالطبع هناك زبائن
أجانب وغالبية هؤلاء يكونون من الروس أو الصينيين الذين اشتهروا في العالم
بولعهم الشديد بكل ما هو قديم وتاريخي.
الاستثمار في العملات
الغالبية العظمى من الزبائن يحرصون على اقتناء العملات القديمة في مجموعات
متكاملة متتالية بشكل زمني، وفق تواريخ صدوره وبهذا تعتبر هذه المجموعات
مراجع تاريخية، يمكن عن طريقها معرفة تاريخ الدولة من حيث حكامها وتواريخ
توليهم الحكم وأهم المناسبات الوطنية لهذه الدولة في مواعيدها... إلخ، كما
أن هناك عددا من الزبائن يشتري العملة ويحفظ بها فترة حتى تتضاعف قيمتها
ثم يبيعها مرة أخرى فهي بالنسبة له تعد نوعا من الاستثمار والمكسب. وكلمة
استثمار هنا ليست مبالغ فيها - كما يقول محمد نور - فهناك فعلا عملات
نادرة من يجدها يصبح كمن عثر على كنز أو - فتحت له طاقة القدر - كما يقولون
ـ مثل الجنيه الذي يحمل صورة الجملين وتبلغ قيمته مئة ألف جنيه، وريال
السلطان فؤاد ويباع بثلاثين ألف جنيه، وهناك الكثير من المغامرين هواة
العملات أو العاملين فيها يبحثون عن هاتين العملتين على أمل بثلاثين ألف
جنيه، ويرجع سبب ارتفاع ثمن العملتين إلى ندرتهما، وكذلك إلى ترويج خرافة
تشير إلى قدرتهما على شفاء بعض الأمراض، ما أدى إلى اختفائهما من السوق
تماما.
سوق العملات
وعن سوق العملات العالمية والقديمة وتعرضها
إلى أساليب التزييف وغيرها من الطرق التي ترمى إلى الإضرار بها، يقول
الخبير الاقتصادي محسن الخضيري إن تجارة العملات هي تجارة عالمية تنتشر في
جميع أنحاء العالم ولذلك تم تكوين رابطة دولية يقوم أعضاؤها بتبادل
العملات فيما بينهم، كما يعقد لها معرض سنوي بمصر، إلى جانب الكثير من
المعارض في الدول المختلفة، وعلى رغم انتشار هذه التجارة، فإنها تحتاج إلى
وجود خبراء متخصصين، لكشف المزيف منها، بعد أن ظهرت حالات تزوير كثيرة في
هذا المجال نتيجة لعدم توافر عناصر الأمان في العملات القديمة كما يحدث
حاليا.